رسالة ترحيب

مرحبا بكم في مدونتي الخاصة، شكرا لكم على الزيارة.

الخميس، أكتوبر 25، 2012

في يوم من أيام حياتي كنت هنا


في يوم من أيام حياتي كنت هنا في هذا المكان، أجري، أركض، ألعب، أشاغب، أضحك وابكي، أنام وأفيق، المهم أنني كنت هنا.
ذهب، رحلت، غبت لسنوات عنك أيها المكان، لا شيئ تغير فيك، أمرغ في تراك أيها المكان وجهي لعلي ألامس أثرا أبحث عنه طول هذه السنوات، وأسترجع رائحة كنت أشمها قبل سنوات، كانت تعطر المكان.
يا أيها المكان خفف عني لوعة شوقي لحبيب كان ساكنا في هذا الطلل القريب منك.
يا أيها المكان أراك تحتاج لمن يسقيك بماء، أعرف أنك ترفض أن يروي عطشك الآخرون، لذلك لا تحزن، فخذ دموعي التي أذرفها واشرب لك ما شئت، فهي لن تجف مادمت جلسا فيك أيها المكان. لتعلم أن كل دمعة تروي عروقا وتشفي حروقا لذلك كن حريصا أن تحتفظ بكمية في عين من عيونك أيها المكان...
هللي هللي يا أيتها الرياح وانقلي عبر نسيمك الخفيف عبقا يذكرني بيوم حزن فيه صاحب المكان من نصفه لكونه أسهم في اتساخ ثيابي، ولم يقدم لي جديدا،فأبى أن يكلمه حتى جاء لي بثوب جديد..
يا أيها المكان بلغ سلامي لجزيئات تراك التي لازلت تقتسم معي نوسطالجيا طفولة باسمة بريئة فيها لا قلب اشتكى من هموم الكبار ولا عين دمعت...
جمال الفقير..
بأي حال عدت يا عيد...
سأعود إلى مسقط رأسي، كي أحتفل مع أسرتي الصغيرة والكبيرة بعيد الأضحى المبارك، لكني وبكل صراحة ...
سأشتاق إلى زخم الرباط وشوارعها، سأشتاق إليها مكرها. سأشتاق للأصوات المبحوحة التي تصدح ويسمع صداها بقبة البرلمان.
سأحاول أن أتعايش مع الوضع هذه الأيام هناك في مدينتي سيسألني الناس عن أحوالي وسأجيب المئات بخير، سأجيب على مئات الأسئلة أين وصل معكم بنكيران/ سأقول لازال يعاند.
سأسعى إلى أن أكتم غيضي وغضبي من أولئك الذين يسودون الطريق أمامي بملاحظاتهم السخيفة وأسئلتهم البغيضة التي لا تزيد الطين إلا بلة.
سأحاول أن أطمئن كل فرد من عائلتي أنا بخير عن حالي وأحوالي..
سأحاول أن أصنع لنفسي ضحكة زرقاء تقيني من قتامة الألوان السوداء التي تصادفني..
سأحاول ارتشاف القهوة في المقهى وأهب قبل الآخرين لأدفع الثمن قبل أن يدفعها أحدهم ويقول أنت لازلت طالبا أو بالأحرى أنت معطل بنبرة شفقة قاسية..
سأحاول أن أمنح وقتي لأسترجع ذكريات عن أشخاص غادرونا إلى دار البقاء. أكيد سأتذكر الشهيد الإطار عبد الوهاب زيدون، سأستحضر كل دمعة تذرفها زوجته وعائلته. سأحاول تذكر المصاب بحروق بليغة البطل محمود الهوس.
سأندب حظي على وطن فرط في أبنائه ورماهم في غياهب السجون.
سأستحضر كل هذا، وسأقول
بأي حال عدت يا عيد.. هو يوم عيد حزن وأسى، يضني القلوب يدميها من الداخل مع وجود أناس خبثاء متملقين وماكرين على رأس السلطة.
سأتذكر بأن العيد صار وعيد، والقديم هو كما هو فقط يسمونه جديد..
سأقول كلاما كثيرا أعبر فيه عما يختلجني، عن وطن أخذوا منه الجميل وتركوا لنا القبيح، وفي نفس الآن يحرموننا من محاولة إصلاح هذا القبح، الذي في أعيننا جمال..
سأحاول أن أتذكر وأنا مع العائلة في لحظة الشواء، لحظة احتراق الشهيد عبد الوهاب زيدون والبطل محمود الهواس...
سأقول في نفسي نفس ما قاله الأقرباء في لحظة الدفن ....فقيداه فقيداه يا لا فراقك البعيد..
دارك بلا أناس خالية من دفئك الكبير ومن حنانك المنير...
سأشتاق للرباط لساحتنا، لبرلماننا، لمخزننا، لشرطتنا لجلادينا، لأبواق سيارات الإسعاف...
سأظل أردد الشعارات كل يوم وساعة حتى لا أنسى كلماتها التي تخيف المقصودين...
رغم كل هذا فاشتياقي سوف لن يطول..وسنعود قريبا إلى بيتنا الحقيقي الرباط وشوارعها مادامت حقوقنا هناك، بيت الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.....
جمال الفقير.