رسالة ترحيب

مرحبا بكم في مدونتي الخاصة، شكرا لكم على الزيارة.

الاثنين، سبتمبر 29، 2014

عودة الروح4. الـــرحـــــيل/ حياة ظالمة. فما أصعب الرحيل.

عودة الروح4. ج.ف.
الـــرحـــــيل/ حياة ظالمة. فما أصعب الرحيل.
الحياة دائما صعبة فيها امتحانات عدة، من أبرزها فقدان أو رحيل أشخاص كانت تربطهم بك علاقات متميزة يصعب نسيانها أو تجاوزها، إذ لا تتوانى الذاكرة في استرجاع كل اللحظات الجميلة أو حتى العصيبة التي جمعتك بهم. المهم هو أن هذه الذكريات تظل راسخة في الذهن ولا يمكن إزالتها.
بمجرد ما إن تحل فترة من الفترات التي كنت تقضيها معهم بشكل مشترك ، حتى تتقلب المواجيع تتقاذفك الآهات، وينتابك الحزن والتحسر والشجن على ما فات وما آل إليه الوضع.
أجزم صادقا أن الأشخاص المهمين بالنسبة لك لا يمكن نسيانهم أو تناسيهم عندما تحل المناسبات الكبرى التي كانت تجمعك بهم، خاصة إن كانوا أصولا في سلسلة الانتماء الحياتية عندك.
تتذكر، وترقب الأطلال، يصيبك كدر ما إن يظهر طيفهم أمامك بشكل عفوي آلي سببه الفراغ الذي خلفه رحيلهم عنك سواء تعلق الأمر بأولئك الذين غادروك إلى العالم الآخر الصافي الذي قيل عنه إنه عالم طهر ونقاء أم أولئك الذين غادروك إلى جانب آخر من جوانب العالم الدنيوي الذي قيل عنه إنه مدنس مليء بأنواع القذارة.
غياب وافتقاد وفراغ من الصعب أن يمحوه الزمن أو يعوضه، يؤدي ضمنيا إلى شيخوخة ومشيب معنوي رمزي يخرق منطق التقدم في العمر مادام أن الروح تصير عجوزا، غير قادرة على عيش حياة يلفها التوازن، ليس لأنها تظل تبكي على الأطلال وغارقة في ماض أليم سسبه حزن رحيل أحدهم من المفروض تقبله مادام أنه سنة الحياة، بل لأن رحيل الفجأة يسبب كدمات وجروحا لا تندمل أو تزول مهما مرت السنين.
الرحيل (المفاجئ) يسهم لا محالة في تغيير حيوات العديد منهم، كما يسهم في تغير أحلامهم ومتمنياتهم التي في الغالب كانت ترتكز على ذلك الذي رحل من دون سابق إنذار قبل حتى أن يودعك ويلقي السلام الأخير، ليودعك بكلمات معدودة أو بعينين مترهلتين مع صمت مهيب.
أن تحس بأن الحياة نفسها خانتك أو غدرت بك بشكل رمزي وعنوي فتلكم أكبر وأهول الخيانات وأكثرها تأثيرا، لأنه ستصبح مضطرا تعيش مع من خانك وغدر بك، وهو أمر لا يطاق، لا يهضم.
رغم ذلك فالنفس يعود، من بوابة سلسلة اسمها عودة الروح.
29-09-2014
الفقير جمال

الجمعة، سبتمبر 26، 2014

عودة الروح 3 الطريق نحو " عين مخيارة" بنواحي تطوان


في عشية ذلك اليوم بينما أنا أستعد للذهاب إلى البحر مخلصا عزلتي سمعت مناداة من أحد أقربائي يدعوني فيها إلى الذهاب معه صوب نواحي مدينة تطوان، وبالضبط صوب إحدى العيون التي لا ينضب ماؤها. أعجبت بالفكرة رغبة في تغيير الأجواء بعد أن مللت الذهاب للبحر، ومنه للمكان خاص جدا أرقب فيه الناس وهي تتملى بطلعات من تعتبرها نجوما تطربها أغان وتقضي معها ليال ساخبة.
ونحن في الطريق المعلوم وجدنا أنفسنا أمام زحمة المرور، حيث قيل والله أعلم إن ملك البلاد سيمر من هنا، وبعد طول معاناة تمكنا أخيرا من اختيار طريق آخر غير ذلك الذي يعج بالشرطة والمخبرين على ما يبدو كإجراء روتيني.
هالني الأمر، إذ كلما طال بنا المسير على متن السيارة كلما أصبحت المسالك وعرة وكأننا في طلوع عمودي نحو السماء. تحول الانبساط شيئما إلى علو ووجدنا أنفسنا بين جبال تشع اخضرارا، تعيش في صمت وهدوء. تقف أشجارها في شموخ وعزة وإباء رغم ما تعانيه من عدم اكثرات الزائرين بها وتفضيلهم أجواء البحر وأمواجه المتلاطمة عليها.
هنا في هذا تعري الطبيعة عن مفاتنها، متحدية الحيف الذي يطالها، وكأنها تريد أن تقول أنا هنا، أنا الأصل أنا مدينة تطوان الحقيقية ، وليست تلك التي صنعتموها أنتم.
المكان جميل حقا، جمالا روحيا ومعنويا، طبيعيا لا تصنع فيه كما في التحت هناك قرب الكورنيش. انتابني خوف ممزوج بانبهار كبير بعد أن وجدت نفسي بين جبلين عظيمين، يخبئ الأول منجما كبيرا للإسمنت (لافارج) قيل والله أعلم إنه يلوث دشر اولاد عمران بعيد عن المدينة وآخر يضم بين فججه مروحيات هوائية كبيرة أعطت رونقا خاصا.
كدنا أن نهلك في حادث مع إحدى السيارات، والتي لم يكن مالكها سوى " نايب الدوار" الذي يعمل هو الآخر على تهريب السلع مثله مثل الكثيرين هنا بجماعة "الصدينة" العالم المصغر الذي يخفي الكثير هنا والكثير بعزلته وطبيعة عيش سكانه بالمقارنة مع ما يجري تحت في العالم السفلي. نزل " النايب " من على سيارته، رحب بنا بطرقته الخاصة، ثم عاد معنا ليرينا تلك العين التي لا ينضب ماؤها، والتي بدأت تنسج عن الأساطير.
على مشارف وصولنا صادفنا العديد من المناظر والأماكن، بل منازل بعينها بنيت فوق حجر يبدو أنه مهدد في أي لحظة بالتفتت والسقوط. يدرك الناس هنا أنهم يعيشون هدوءا وعزلة غريبين وقل نظيرهما، لذلك ما إن يقترب منهم غرباء عن المنطقة حتى يدركوا أنهم دخلاء من الوهلة الأولى، فيهرعون إليك، وينتظرون أسئلتك ليجيبوا عنها بكل بساطة وتلقائية لا توجد في ذلك العالم السفلي لتطوان والمضيق والفنيدق، حيث أناسها هناك لا يعيرون للدخيل كما يسمونه أي اهتمام يذكر.
مباشرة بعد الوصول تجمع حولنا الأطفال ذكورا وإناثا يسلمون علينا ويرحبون بنا ببراءة، تبدو عليهم ملامح البساطة وربما الفقر، وتبدو عليهم عزلة نفسية بقدر عزلة المكان. فهمت فيما بعد أن سبب تجمعهم وتسابقهم حولنا كان غرضه تبيان أنهم في خدمتنا ليسعدونا على أن نسقي من العين التي لا ينضب ماؤها.
قصدنا العين وبدأنا نملأ القارورات و" البيدوات" بالماء، غير أنه بمجرد ما وطئت قدماي الماء الذي يجري من تحت العين حتى انتابتني برودة غريبة لم تسمح لي بالاستمرار واضطرتني إلى سحبها، ليتدخل الصغار في تحد لذلك وإبراز أنهم أصبحوا يعيشون في المكان ومعه، يؤثرون فيه ويؤثر فيهم، لايهبونه ولا يهبونهم.
سألت أحد الصغار، الذي هو محمد فقلت له:
اشني سميت هاد العين السي محمد ؟ فأجاب " عين مخيارة"
واش تايجيلها بزاف البشر؟
قال بزاف، وعلاش حينت هي مزيونة.
فسألته: شكون اللي قال هاليكم؟
أجاب: الطبيب اللي جا الهنايا بلكنته الشمالية.
قلت له:
فين احنا السي محمد؟
فسبقه في ذلك الصغير "عمر "ليقول : "العلاوية" دوار 360، علت وجوهنا ضحكة عفوية ، ثم تدخل محمد ليصحح:
فدوار" العلاوايين"
بالموازاة مع ذلك، كان الصغار عمر ووئام وآية يملؤون قوارير الماء ويتراشقون بالمياه الباردة في زهو ونشاط وتعبير ضمني عن الذات الطفولية.
اخترنا أن نشرب القليل من الماء، ونتجاذب أطراف الحديث مع بعض من أهل الدوار الذين حجوا للمكان، وبالأخص " نايب الدوار" الذي يملك " سبسي طويل" رمز الشهامة والرجولة والمسؤولية بعد شاربه الكث".
حملنا الماء إلى داخل السيارة، ومنحنا الصغار حصتهم من المجهود الذي قاموا به، ثم عدنا أدرجنا بعد أن انبلج الليل وأرخى سدوله على المكان.
كل الصعوبات هانت من أجل "عين مخيارة" التي لا ينضب ماؤها، ومن أجل أناسها الطيبن الذين يعيشون في عالم آخر غير المكان السغلي الذي فيه رغد العيش وأناقة مصطنعة. أما الفوق فالجمال طبيعي لا تصنع فيه، رغم التناقض الصارخ فيه نتيجة وجود منجم كبير للإسمنت من شأنه تشغيل الكثيرين فيه، ووجود مروحات هوائية قيل إن لها منافع كثيرة.
26-09-2014
الفقير جمال

الخميس، سبتمبر 25، 2014

عودة الروح 2 "رغيفي و النادل."


اخترت لنفسي لحظة استمتاع وتناس مصطنعين لحالتي النشاز- على الأقل من وجهة نظري- في ذلك اليوم الذي استجممت فيه على شاطئ بحر المضيق الهادئ...

تظاهرت بكوني مثلهم أتقن السباحة والغناء والرقص رغما عني، حيث إن وضعي لم يسمح لي بالتبرم من أشياء أمقثها في ظل سياق زمكاني معين. لكن سرعان ما اتسعت هوة التغريب بيني وبين الفضاء الذي أنا به وغلب الطبع على التطبع، فاخترت لنفسي عزلة تقيني من ترهات التصنع في الفرح والاستمتاع والاسترخاء والتبرجز...

عدت إلى المنزل، اغتسلت وارتديت ملابسي التي اعتقدت لوهلة أنها جديدة، ثم اتجهت مسرعا لأكمل عزلتي، كان الجوع والإرهاق قد أخذا مني الشيء الكثير، لذلك آثرت أن أشتري شيئا آكله بالتزامن مع شرب شاي أو قهوة في مقهى محترم.

خلت أنني بأحد المقاهي الشعبية للقنيطرة، ونسيت أنني في "المضيق" الذي يحج إليه المتبرجزون من كل حدب وصوب ليجلسوا في مقاهيه التي تقع أمام شاطئه الجميل. المهم أنني اشتريت ثلاثة دراهم من الرغيف لأقتل بها جوعي وأنا أتأمل أمواج البحر.

كنت سأكون سعيدا لو قلت لكم أنه كان لي ما أردت إلا أن واقع الحال من المحال، حيث بمجرد ما رمق النادل رغيفي حتى عبر اشمئزاز ه وعدم رضاه، ورفض أن يجلب لي شايا أو قهوة بكل قسوة، بدعوى أن الرغيف لا يناسب المكان ويحط من قدره وقيمته، هي الأوامر كما أعطيت حسب الناذل.

نهضت من على الكرسي على مضض و ابتسامة خفيفة تعلوني سببها أنني أعرف أنني نشاز ولو لم أكن نشازا ما كنت لأتلقى الضرب والجرح والإهانات والعبارات الحاطة من الكرامة في شوارع الرباط.

قصدت مقهى آخر اسمه " لاس بالماس" ولعلمكم هو أكثر جمالا ورونقا من الآخر، غير أنني هذه المرة اتخذت الاحتياطات اللازمة، حيث قمت بإخفاء الرغيف وطلبت قهوة، ثم أخذت آكل جزءا جزءا وطرفا طرفا بنشوة وإحساس بالانتصار لأنني حققت ما عجزت تحقيقه في المقهى الأول.

بعد ساعة - الوقت المحدد للجلوس في المقهى- قمت بجولة بالقرب من البحر، رأيت أناسا فرحين ومرتاحيين فتساءلت هل هم فعلا فرحين أم أنهم يتصنعون ذلك؟

استنتجت خلال ذلك اليوم الممتع المتعب أن أي مدينة مغربية قد تكون أجمل مدينة في المغرب إن أريد لها أن تكون على الأقل من ناحية النظافة والعناية والجمال. كما استنتجت أنه بقدر جمال المكان بقدر رقي مرتاديه المادي، وإن حصل وارتاده بسطاء ماديا متصنعين مثلي فإنهم سيعتبرون نشازا لا يقاس عليهم وسينكشفون مع أول امتحان حصل معهم كما حصل مع النادل.

25-09-2014جمال الفقير.

الثلاثاء، سبتمبر 23، 2014

عودة الروح ...


بعد عزوف دام شهرين عن الكتابة أجدني متحمسا بعض الشيء من أجل كتابة بعض الكلمات التي تنبض بالحياة وتعيد الروح إلى الجسد النخرة المليء بالكلمات الجافة التي لا رواء فيها.

صادفت وصادفتني العديد من الوقائع والأحداث طيلة الشهرين الماضيين جعلتني أحتار في الكتابة عنها.

طرائف تستحق التدوين، هل سأكتب عن رحلتي للمضيق ومنع النادل لي من شرب القهوة أو الشاي بدعوى أنني أحمل رغيفا ليس في المستوى قد لا يعجب شكله باقي الزبناء؟

هل سأكتب عن العالم الآخر الذي شاهدته بعيني شمال المغرب، جمال طبيعته في السواحل ووعورة المسالك وصعوبة العيش في قمته التي يعيش سكانها على إيقاع التهريب في مقابل رغد العيش بالقرب من البحر؟

هل سأكتب عن "صدينة" بنواحي تطوان وعن منطقة العلاوين وما يعيشه الناس هناك قرب منجم لإنتاج الإسمنت؟


هل سأكتب عن الطفولة الباسمة التي تحترق هنا وهناك في انتظار مستقبل مجهول قد ينتهي بالانتقال إلى الضفة الأخرى أو الاكتفاء بسيارة لتهريب السلع "وسبسي" طويل يشفي الغليل يعبر عن الوجود؟


هل سأكتب عن الشمس الحارقة التي ألهبتني وأنا بمقر سكناي في مدينتي الصغيرة، وما تلاها من لسعات "الباعوض "و "الشنيولة" وضجيج موسيقى الأعراس وما أحدثه كل ذلك من أرق ومخاصمة النوم؟


هل سأكتب عن أولئك الذين غادروني في صمت بعد أن اقتسمت معهم الأحزان والأفراح، المعتقلين منهم ومن هم في حالة سراح؟


هل سأكتب عن أضحوكة اسمها حكومة جلالة الملك ومعارضة اسمها معارضة جلالة الملك؟ هل سأكتب عن أصدقائي البجيدين والاستقلاليين والشيوعيين والاشتراكيين والماركسيين والأصوليين والمتشددين والمتطرفين؟


هل سأعود للنبش في نفاق أجواء رمضان والمترمضنين وكثرة النفاق الديني والاجتماعي والسياسي...


هل سأكتب عن ما صادفته طيلة تجارب لن أنساها تعرفت فيها على أناس مغاربة شتى، أغنياء وفقراء وكادحين، طيبين وأشرارا صغارا وكبارا..


المهم أنني سأكتب، والأكيد أن ما سأكتب سيعجب الكثير وسيغضب الكثير.. لكن الأهم من كل هذا أنني سأتغيى الصدق والحقيقة في التعبير عن كل ما صادفته وأثر في إلى حد الضحك وإلى حد البكاء.


سأرنو باختصار إلى عودة الروح التي غادرت جسدي النحيف طيلة أيام ابتعادي عن التدوين والكتابة


جمال الفقير.
21-09-2014